عائلة تونسية تتوارث صناعة دمية "إسماعيل باشا"
- الأناضول الثلاثاء, 06 أكتوبر, 2020 - 01:02 مساءً
عائلة تونسية تتوارث صناعة دمية

غرفتان صغيرتان في مدينة "حلق الوادي" التونسية تفتح كل منهما على الأخرى، تحولتا إلى ورشة لصنع دمية "إسماعيل باشا" المستقدمة مع العثمانيين بدايات القرن الخامس عشر.

 

أينما تذهب عيناك في الغرفتين تستقبلك نظرة دمية عسكري عثماني بدرع نحاسية وسيف لامع، وحماية للجسد من سبع قطع تغطي الكتفين والعضدين والصدر والبطن، إضافة إلى حذاء "البشمق" الذي كان ينتعله العثمانيون.

 

على جنبات إحدى الغرفتين، تتواجد دُمى بأحجام مختلفة يجمعها التّشابه في وجوه العساكر التي تمثل على ألوانها القائد العسكري العثماني إسماعيل باشا.

 

وإسماعيل باشا، شارك في معركة حلق الوادي (الضاحية الشمالية للعاصمة تونس)، سنة 1574 والتي أنهت الاحتلال الإسباني المستمر للبلاد منذ عام 1535.

 

والدمية التي تصور هذا الرجل، واحدة من أشهر الدمى التي تصنع يدويًا في تاريخ مسرح العرائس بتونس، إلى جانب شخصيات "أمك طنغو" و"قائمة شهلولة" و"بوسعدية".

 

قصة شغف في ورشة الشّقيقين عادل وإسماعيل العشي، تحكي فصول توارث هذه الحرفة اليدوية عن والدهما "الهاشمي" (توفي عام 2018) الذي ابتكر هذه الشخصية منذ أكثر من نصف قرن.

 

إرث عائلة "العشي"

 

يقول عادل إنه وشقيقه الأصغر إسماعيل اختارا الحفاظ على إرث والدهما في صناعة دمية "إسماعيل باشا" التي باتت ذاكرة فن صناعة العرائس وجزءا من تاريخ مسرح العرائس التّونسي.

 

وعن قصتها، يروي عادل: "والدي تاجر صناعات تقليدية في باب الجديد بمدينة تونس العتيقة، وابتكر دمية إسماعيل باشا في بداية الستينيات من القرن الماضي".

 

ويتابع: "كان والدي يقدم عروضًا ليلية تنتقد الوضع السياسي آنذاك، وفي نهاية نفس العشرية تحديدا سنة 1968 بدأت الدمية تلقى انتشارا وطلبا في السّوق التونسية".

 

وعن صناعتها، يقول: "من أولها إلى آخرها يدوية، وهو ما تعلمناه عن والدنا وعمنا منذ الصّغر، ودمية إسماعيل باشا باتت شأنا عائليا خاصا".

 

"كانت مساعدة صديقة عمتي في حياكة ملابس العساكر سببًا في تعرف والدي عليها، وهي والدتي التي تقوم بنفس الأمر حتى اليوم"، يضيف صانع الدمى.

 

ويؤكد شقيقه إسماعيل، بأن "الدمية إرث العائلة الذي نحافظ عليه وسنمرره لأبنائنا. والدي تعلق بها كثيرا ولا غرابة في تطابق إسمي معها، بل هو أمر يجعلني أفخر بهذا العمل".

 

مصنوعة بالأيدي

 

تتميز الدمية عن غيرها من تلك الموجودة في الأسواق التّونسية بحفاظ صناعتها على روح الحرفة اليدوية التي اختار حرفيون آخرون الاستعانة بالتّطور التكنولوجي لتحقيق مدخول أكبر وبجهد أقل.

 

ويرى عادل أنها "لا تستقر على حائط الورشة مكتملة الملامح إلا بعد العمل يدويا على كل تفاصيلها، فالوجه والرقبة من خشب يحفر بتفاصيل تتكرر وتتشابه فيها تفاصيل وجوه الدمى".

 

ويتابع في سرد مراحل صناعتها: "بعدها تلون لتتميز عن بقية الدمى بالجفون، فضلًا عن الشّاشية سطمبالي (إسطنبولية عثمانية)، وهي قبعة رجالية حمراء خاصة بالرجال في عدد من البلدان الإسلامية".

 

وبالنسبة للدروع النّحاسية، فهي تُقطع لأجزاء حسب حجم الدمية، ثمّ يكون النقش على طبقة النحاس يدويا بأشكال تختلف من دمية لأخرى.

 

ويضيف الشقيق الأكبر: "غالبًا يقوم إسماعيل بهذا الأمر إذ جعل والدنا لكل منا اختصاصه، فأنا أهتم بالجزء الخشبي للوجه والرقبة وتلوينه، وشقيقي يعمل على الأجزاء النّحاسية، وتحيك والدتي ملابس الدّمى".

 

طلبات السّوق المتغيرة

 

يقول إسماعيل إن الورشة وفي السّنوات الأخيرة لم يتوقف عملها على صناعة الدمية التّي تُميّز عملهم عن بقية الحرفيين اليدويين، خاصة أن فن العرائس يشهد تراجعًا في ظل التّطور التّكنولوجي.

 

ويتابع: "إلى جانب دميتنا، نصنع يدويًا منتجات مختلفة تحاكي الطلبات المتغيرة من الحرفاء، حيث يكون هامش الإبداع أكبر مع حفاظنا على خصوصية أعمالنا".

 

وتُبقي الحرفة اليدوية الشقيقان "العشّي" على تقليديتها المعتاد، دون الاستعانة بالآلات التي تختصر الكثير من الوقت، كما أنهما يختزلان خبرة السنوات التي تظهر على قطعهم.

 

وتبرز لمسات الشقيقين في كل حفر على الخشب، أو نقش على النحاس، أو دقة مسمار لتثبيت جزء من القطعة أو الدمية وربطها بالآخر، ويؤكدان أنهما يحسان بسعادة عارمة مع انتهاء كل منتج استمر العمل عليه ساعات وأياما.

 

ويؤكدان أنهما يعملان على تمرير هذه الحرفة بروية إلى أفراد العائلة، والصّغار منهم على وجه التحديد حتى لا تندثر من الوجود.

 

ويختمان الحديث بأن التجديد في صنع الدمية مطلوب لتلبية رغبات الحرفاء الباحثين عن عرائس ودمى للديكور والزّينة المنزلية، لكن دون التخلي عن التقليد اليدوي في صناعتها.


التعليقات