بين هَم العودة ووضع ما بعد التخرج ... الحرب تضاعف معاناة الطلاب اليمنيين في المهجر (استطلاع)
- نجم محمد الجمعة, 10 ديسمبر, 2021 - 08:20 مساءً
بين هَم العودة ووضع ما بعد التخرج ... الحرب تضاعف معاناة الطلاب اليمنيين في المهجر (استطلاع)

[ معاناة كبيرة يعيشها الطلاب اليمنيين في المهجر ]

لم يكن وضع الطلاب اليمنيون المبتعثون خارج اليمن كفيلاً بأن يسلموا من الحرب، فقد لحقتهم ويلاتها إلى مدن دراستهم وجامعاتهم ومساكنهم، إثر الانقطاعات المتكررة لمستحقاتهم، ثم تضاعف العبء أكثر مع لحظات تخرجهم، والتي جعلتهم في مفترق طرق، بين البقاء عرضة للمتاعب في أماكن دراستهم، وبين العودة لليمن الذي يعيش حربا ملتهبة منذ سنوات.

 

فالتخرج من الجامعة لم يكن هو نهاية المشوار التعليمي للعديد من الطلاب اليمنيين الموزعين على عدة بلدان وجامعات حول العالم، بل إن انتهاء الدراسة والحصول على الشهادة يمثل عند الأغلب مرحلة جديدة من المعاناة والقلق والمخاوف، فالعودة إلى اليمن تبدو مستحيلة، والبقاء في بلد الدراسة محفوف بالعديد من المخاطر، ومكبل بقوانين صارمة، ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن الاستقرار، وسط تحديات عاصفة، وغموض المستقبل.

 

هم البقاء بديلاً عن العودة

 

غادرت اليمن في التاسع عشر من سبتمبر عام 2014، قبل أن تندلع الحرب بيومين، ومنذ ذلك الحين إلى الآن ما يقارب سبع سنوات لم أزر أهلي بسبب صعوبات السفر ومشقّته في ظل الحرب، وإغلاق أغلب شبكات المواصلات الدولية والمحلية أبوابها، وقبل عام أكملت دراستي والحرب لم تنته، وأنا لم أعد إلى وطني وأهلي حتى اللحظة.

 

هكذا يبتدئ شادي الأغبري، طالب يمني تخّرج من دراسة تخصص الهندسة الكيميائية قبل عام من إحدى الجامعات التركية، حديثه للموقع بوست، عن قصّه الطلاب اليمنيين في المهجر بعد التخّرج من الدراسة بين مشاكل الاغتراب وهموم العودة.

 

يقول شادي: " كان لديَّ أمل أن تنتهي الحرب قبل أن أنتهي من دراستي، ولم أكن أعلم أن الأمور ستؤول إلى هذا المآل المعقّد، فبدلاً من مغادرتي اليمن من أجل الدارسة والعودة إلى الوطن لخدمه بلادي ومجتمعي، أصبحت أخاف من العودة وينتابني هم الاستقرار في المهجر بعد التخرج، ومن أجل ذلك حاولت البحث عن حلول منها دراسة تخصص إدارة الأعمال إلى جانب تخصص الهندسة الكيميائية حتى تتوفر لي الفرصة للعمل والاستقرار بعد تخرّجي، وهو الذي لم يكن سوى حل ترقيعي، فالمشاكل التي يعاني منها الخرّيجون تتجاوز هذا الحل".

 

 

يواصل شادي حديثه: " أول مشكلة تواجه الطلاب الخريجين في تركيا هي تصريح الإقامة، فالإقامة في تركيا كطالب لا تمنحه الحق في الحصول على الجنسية بعد الانتهاء من الدراسة، وبعد انتهاء آخر يوم امتحان أو آخر يوم تدريب عملي، تمنح الجامعة الطالب 10 أيام فقط لترتيب وضعه أو مغادرة البلاد، وفي حال تجاوز الطالب المدّة دون ترتيب ملف إقامته، يدفع غرامة ثم يتم ترحيله، والأمر ذاته حصل مع أحد أصدقائي الذي لم يكن على علم بذاك القانون، فتم ترحيله مباشرة".

 

حلول ترقيعيه واستقرار محدود

 

يسترسل شادي بالكلام، وهو يتحسر على الواقع الذي يعيشه أغلب الطلاب اليمنيين: "الحصول على فرصة عمل بعد التخرّج تعدّ أبزر مشاكلنا، لأن التعليم الذي نتلقّاه في الجامعة لا يمت لواقع سوق العمل بصله إلا بنسبة ضئيلة، وواقع العمل أصبح يطلب الخبرة والمهارات، بالإضافة إلى العنصرية ضد الأجانب، كما أن المواطن التركي أولى من الأجنبي في القبول لفرص العمل، والتفكير ببدء مشروع خاص أمر معقّد، ويتطلّب رأس مال كبير، لأن القانون التركي يفرض على الأجانب معادلة 4+1، أي الالتزام بتوظيف أربعة مواطنين أتراك مقابل توظيف أجنبي واحد، في أي مشروع".

 

يصف شادي وضع الطالب اليمني خارج البلد بالمعقد جدا، ففي حين تعصف الحرب بمن هم داخل اليمن، تزداد المعاناة وتتضاعف أمام الطلاب في الخارج، خاصة مع صعوبة الحصول على فرصة عمل عقب التخرج، ويلخص هذا الوضع بالقول: "اليمن في حالة حرب، حيث لا أمن ولا استقرار، ولا فرص عمل في تخصصاتنا، والموجودين في اليمن يريدون الخروج أصلاً، وهذا أمر يستحيل معه التفكير في العودة إلى الوطن حالياً، وليس بأيدينا سوا البحث عن حلول ترقيعيه واستقرار محدود، كـ مواصلة الدراسات العليا، أو الهجرة إلى أوروبا وبناء كل شيء من جديد".

 

مغادرة أو بقاء خارج القانون

 

الأمر ذاته لم يختلف كثيراً عن الطلاب الدارسين في الهند كما يقول عبد الرحمن البعداني، وهو طالب متخرج حديثا، وتخصص في تطبيقات الحاسوب من إحدى الجامعات الهندية.

 

يعتقد البعداني في حديثه للموقع بوست أن انتهاء مرحلة دراسة البكالوريوس بمثابة نقطة جديدة في حياة الطالب، ويجب عليها بعدها مغادرة البلاد، وفي حال رغبته في مواصلة الدراسات العليا يفرض عليه القانون الهندي مغادر الهند ثم العودة إليها بفيزا جديدة، كما أن تصريح إقامة الطالب لا يمكن تغييره إلى تصريح إقامة من نوع آخر.

 

 

وبالإشارة إلى موضوع الاستناد على محصلّة التعليم الجامعي في البحث عن عمل بعد التخرّج يقول البعداني " التعليم هنا ممتاز في بعض الجامعات وبعض الولايات، والبعض الآخر جيد نوعاً ما، ومن أجل تلبية التعليم الذي يتطلّبه سوق العمل نحاول الاعتماد على كورسات المعاهد المتخصصة، وشهادات الخبرة العملية".

 

ويضيف البعداني: "بعض الطلاب يتمكّنوا من البقاء في الهند بعد انتهاء دارستهم مقابل أموال ووساطات يدفعونها لموظفي إدارة الهجرة أثناء المعاملات، أو عبر بعض الأعمال اليومية المتعلقة بالتسويق، لكن بكل الأحوال بعد التخرّج يكون الطالب في حكم المخالف للقانون وإذا وقع في قبضة الأمن يتم ترحيله إلى اليمن مباشرةً ".

 

استقرار مؤقت ومخاوف مستمرة

 

طابع الغربة وطبيعة المعاملة التي يلاقيها الطالب الأجنبي من محدودية فرص التدريب والعمل في أماكن، وانعدامها في أماكن أخرى مقارنة بأبناء بلد الدراسة، يضاعف تفكير الطالب بمخاوف المستقبل حال لم يجد خيار إلا الاستقرار في بلد الدراسة، الأمر الذي يضاعف العبء النفسي، ويحرف مسار الكثيرين، ويحيل تطلعاتهم إلى مخاوف، وفقا للطالبة مودة الحداد المتخصصة في الهندسة الطبية في إحدى جامعات ماليزيا.

 

 

تشير مودة في حديثها لـ "الموقع بوست" أن العنصرية واستثناء الأجنبي وجعل الأولوية في فرص التدريب الجامعي لأبناء البلد يعدّ من أبرز المشكلات التي يعاني منها الطلاب اليمنيين حتّى قبل تخرّجهم.

 

وتضيف: "أنا مثلاً في السنة الثالثة بالجامعة اضطررت لعمل التدريب في معامل الجامعة، ولم أجد فرصة للتطبيق العملي في إحدى المؤسسات أو الشركات الماليزية".

 

وبشأن الإقامة في ماليزيا تقول:" إذا انتهى الطالب من الدراسة يجب عليه مغادرة ماليزيا مباشرةً، وإلا هناك حل مؤقّت يتمثل في إعطاء اليمنيين في ماليزيا فيزا لسنة واحدة، ثم يتم تجديدها في كل مرة بعد انتهاء المدّة، ويتم ذلك عبر سفارة اليمن في كوالالمبور بالتعاون مع السلطات الماليزية، التي تقدم لليمنيين تسهيلات في هذا الجانب، وينتهي تصريح الإقامة بمجرد خروج الشخص من ماليزيا، ولا يمكنه العودة بذات التصريح بعد ذلك".

 

وتبدو مشكلة وضع ما بعد التخرج معاناة مشتركة مع أغلب الطلاب اليمنيين الدارسين في الخارج، ففي ماليزيا على سبيل المثال – وفقا للحداد – يحاول أغلب الطلاب البحث عن فرص استقرار محدودة، عبر استكمال الدراسات العليا، وهو خيار متاح لمن يستطيع تحمّل تكاليف الدراسة والإقامة على نفقته الخاصة فقط.

 

وتكمل حديثها عن هذه القضية: "من النادر جداً الحصول على منح ماليزية لاستكمال الدراسات العليا، بالإضافة إلى أن وزارة التعليم العالي اليمنية لا تدعم هذا الأمر، والبعض يحاول البحث عن عمل، وهو أمر صعبُ جداً خصوصاً في تخصصه الدراسي، كما أن فتح مشروع خاص لا يُعفي أي حد من مشاكل تصريح الإقامة".

 

الذوبان في مجتمعات المهجر

 

وضع الطالب اليمني غير المستقر في الخارج يفرض عليه الاستعداد لترتيب الاستقرار في أي بلد قبل أن يهاجمه شبح التخرج، ويقلّص خياراته إلى الصفر، ومع هكذا وضع لجأ بعض الطلاب اليمنيين في المهجر لترك الدراسة، ومغادرة البلدان التي ابتعثوا للدراسة فيها إلى بلدان أخرى، واضعين في اعتبارهم ضمان الاستقرار في البلد أولى من الدراسة، وبذلك يكونوا قد نسفوا جهود الماضي بحثا عن الحاضر والمستقبل، وهو الوضع الذي تصرف على ضوءه الطلاب اليمنيين الذين هاجروا إلى كندا.

 

وفي هذا السياق يقول رئيس الجالية اليمنية السابق في كندا ضياء السعيدي للموقع بوست إن كندا بلد جاذب للمهاجرين، والسلطات الكندية تقدم تسهيلات للطلاب الأجانب للاستقرار في كندا بعد الانتهاء من الدراسة، كما أن التعليم الكندي أكثر جودة وكفاءة من دول أخرى، ولا يحتاج الطالب الخريج من كندا لتلقي تدريب إضافي لدخول سوق العمل الكندي.

 

 

ويشير السعيدي إلى:" أنه بعد اندلاع الحرب في اليمن تقدّم أغلب الطلاب اليمنيين في كندا بطلبات اللجوء، وحوّلوا وضع إقاماتهم القانوني من طالب إلى لاجئ، وآخرين تقدموا بطلبات لجوء من بلدان أخرى، منها أمريكا وتم قبولهم كلاجئين، ثم بدأوا الدراسة واستقروا في كندا".

 

يشرح السعيدي الوضع في كندا قائلا أن اللاجئ هناك يحصل على إقامة دائمة بعد مرور عام على قبول طلب لجؤه، وهو مؤشر أولي ليصبح كندي تقريباً، مشيراً إلى أن الأغلبية رتبوا وضعهم بناءً على ذلك، وانتهت فكرة عودتهم إلى اليمن، وأن قرابة 90 إلى 95 % من المقيمين اليمنيين في كندا قطعوا صلتهم باليمن وأصبحوا كنديين.

 

مشكلة هوية وأسئلة مقلقة

 

مرحلة التخرج التي تعد مفترق طرق في حياة الطالب، قد تقوده إلى اضطراب واكتئاب أحياناً إثر أسئلة المستقبل المجهول الذي ينتظره، لكن وجوده ضمن مجتمعه وأهله يدعمه نفسياً، وهذا الدعم غير متوفر للطالب اليمني في المهجر إضافة إلى عبئ الأسئلة الأخرى كالدخل والزواج جميعها يقف الطالب وحيداً في مواجهتها، كما يقول الدكتور سلطان الحاشدي المتخرج من جامعة سامسون التركية قبل سنتين، في حديثه للموقع بوست عن تجربته كطالب مُبتعث، وعدم عودته لليمن.

 

الحاشدي الذي درس تخصص طب الأسنان، وحقق إنجازاً نوعياً عندما أصبح استشاري في تخصص تقويم الأسنان، ولم يتجاوز الثلاثين من عمره يقول بأنه أمضى سنوات بعد تخرجه في بلد المهجر، وحرص على تطوير نفسه بشكل كبير، ومع ذلك لم يشعر بالاستقرار، معتبرا بأن هذا حال الكثيرين من حوله، مضيفا: "قد يستقر الطالب ماديا مثلاً، لكن الاستقرار النفسي والمجتمعي أمر غير ممكن ما دمت لست في وطنك، وضمن مجتمعك الذي يشبهك فكراً وأسلوباً وسلوكاً وهويةً".

 

 

وفقا للحاشدي، فالصعوبة الأبرز تكمن في عدم قدرة الطالب اليمني على العودة إلى وطنه، ويظل يعيش مشكلة هوية تختلف نسبياً بحسب العمر والتجربة والارتباط ومدى الانخراط في المجتمع، لكن الاستقرار يظل أمر بعيد المنال في ظل تنقلات الشخص وشتاته، ومدى تباعد نقاط الالتقاء بينه وبين الآخرين في بلد المهجر.

 

غياب كبير للدور الحكومي والمنظمات

 

دور الحكومة والمنظمات المختصة تجاه الطلاب اليمنيين في الخارج لا يكاد يذكر إلا من مبادرات لجمعيات أهلية واتحادات طلابية، وهو ما لمسناه في حديث الدكتورة أسماء القرشي رئيس جمعية إسناد لتمكين الطلاب.

 

تقول القرشي للموقع بوست إن سفارات اليمن في الخارج لا تقوم بالدور المطلوب فيما يتعلق بتعريف البلدان التي يدرس فيها الطلاب اليمنيين بأن اليمن تعيش واقع حرب، ما يتسبب في عرقلة عودتهم إليها، وبحث حلول تقضي بتمديد إقامات الطلاب اليمنيين في المهجر.

 

 

وتضيف القرشي:" الطالب الخريج مهما بلغت المشاكل التي تواجهه بعد التخرج، إلا أن المرحلة التي قطعها في الجامعة وما ترتب عليها من رصيد مهم في التجربة والمهارة والعمل التطوعي كلها تشكّل نقاط إيجابية يمكن الاستناد عليها للانطلاق نحو المستقبل".

 

وحول الدور الذي تقوم به جمعية إسناد لتمكين الطلاب، تقول: "نعمل حالياً على مشاريع سيتم الإعلان عنها في الفترة القادمة، منها إنشاء رابطة للطلاب للخريجين، وإسنادهم ولو معنوياً، بالإضافة إلى تبني المشاريع التي بالإمكان أن يعملوا بها مستقبلاً".


التعليقات