[ أحد المزارعين في الأراك بمحافظة حجة - الموقع بوست ]
في صحراء مترامية الأطراف، وعلى أكوام الكثبان الرملية تنمو اشجار الأراك، ومع انخفاض درجات الحرارة، يتوجه المزارعون مع أطفالهم لاستخراج الأعواد من جذور هذه الشجرة، والتي يطلق عليها شعبيا بـ "المساويك".
وتتميز شجرة الأراك، التي تسمى علميا "سالفادورا بيرسيكا " أو شجرة الأسنان، بأنها دائمة الخضرة، وتنتمي لفصلية الاَراكية، التي تتمتع بطيبة الرائحة، ولا يزيد ارتفاعها على أربعة أمتار، وأورقها خضراء بيضاوية، الشكل تخلو من الشوك بينما ازهارها صفراء مخضرة، وأغصانها غضة تتدلى للأسفل، وجذورها تكون عميقة وممتدة لمسافات كبيرة تحت الأرض.
أوضاع صعبة
عند الساعة الرابعة مساء، ومع انخفاض درجة الحرارة ينطلق أفراد ينتمون لأكثر من 30 أسرة بمديرية ميدي الواقعة بمحافظة حجة، التي ترتبط حدوديا بالمملكة العربية السعودية مع أطفالهم، ومنهم أسرة نايف عبده الجعيدي إلى مزارع الأراك.
وفي جو يسوده الهدوء والحذر في نفس الوقت، يعمل نائف عبده الجعيدي، البالغ من العمر 23 عاما، مع إخوانه في استخراج اعواد الأراك من جذور الأشجار.
يقول الجعيدي وهو يمد يديه للحفر في محيط إحدى شجرة الأراك لـ الموقع بوست: نعمل لساعات طويلة تصل لأكثر من ست ساعات يومياً، ومهمتنا ليست سهلة، وتحتاج جهدا ووقت مننا، تبدأ بالبحث عن شجرة أراك مناسبة، ثم الحفر باستخدام أدوات بسيطة أو بيدينا في أغلب الأوقات إلى مسافة تصل المتر أحيانا وصولاً إلى الدفن للحفاظ على الأراك".
وأضاف الجعيدي قائلا: "مصدر رزقنا يواجه تهديداً حقيقياً منذ أكثر من ثلاثة أعوام" ويشير إلى أن الحرب الجارية في اليمن والتي تدخل عامها السادس تسببت بأوضاع صعبة للغاية – حسب وصفه- كالنزوح والهجرة من المزارع والبيوت منذ اليوم الأول للحرب، وصولا إلى عدم قدرتهم على تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية والخارجية جراء حصار الحوثيين للمنطقة.
يتابع الجعيدي لـ "الموقع بوست" وآثار التعب والمعاناة ظاهرة على ملامح وجهه "في السنة الأولى من الحرب، أصبحت هذا المناطق ساحة معارك بين الشرعية والحوثيين، وتحولت معها حياتنا إلى جحيم يحيط بنا، ومع وصول المعارك إلى منفذ حرض بين اليمن والمملكة العربية السعودية انتقلت خطوط تصدير منتجاتنا الزراعية إلى السعودية عبر منفذ حرض القريب منًا ثم إلى منفذ الوديعة شرقي اليمن".
يكمل الجعيدي حديثه، وهو يمسك بعود من الأراك: "هذا الأراك كان يصل يومياً إلى السعودية على شكل دفعات، وبكميات كبيرة قبل الحرب، وتقلصت الكمية النصف جراء الحرب، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وصعوبة الحصول عليها، وكذلك بعد المسافة من مزارعنا غلى منفذ الوديعة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وبعد سيطرة القوات الحكومية على مديرية ميدي أصبحت منتجاتنا الزراعية تتكدس في منزلنا جراء حصار الحوثيين للمديرية.
موسم سنوي محفوف بالمخاطر
حتى مطلع العام 2015، كان منفذ الوديعة التابعة إدارياَ لمحافظة حضرموت شرقي البلاد، هامشياً لبعده الجغرافي عن مناطق الكثافة السكانية، وأغلب المدن المركزية، لكنه وبسبب الحرب التي تصاعدت منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، ثم تدخل التحالف بقيادة السعودية في مارس/آذار 2015 تحول المنفذ إلى شريان وحيد بين البلدين اللذين يرتبطان بأكبر شريط حدودي بالنسبة لكليهما.
ويمثل السفر عبر المنفذ الوحيد رحلة معاناة، تشمل المسافة الطويلة، وحواجز التفتيش والحفريات على طريق "العَبَر" الواصل إلى المنفذ، والذي يتسبب بحوادث سير متكررة، دفعت البعض لوصفه بـ "طريق الموت " وصولاً إلى الازدحام على أبواب المنفذ، الذي لا يتمتع بالبنية التحتية اللازمة لاستيعاب كامل حركة التنقل بين البلدين.
ويبعد منفذ الوديعة عن العاصمة صنعاء مسافة ما يقرب من 500 كيلومتر، يمر فيها المسافر بعشرات حواجز التفتيش على جانبي الصراع العسكري، ممثلا بالحوثيين والقوات الحكومية.
إبراهيم محمد جعيدي (36 عاما) هو الآخر أحد المزارعين العاملين في مزارع الأراك بمديرية ميدي، ويعيل أسرة مكونة من سبعة افراد، وتحدث لـ "الموقع بوست" عن معاناة المزارعين مع هذه المهنة.
يقول وهو يرتب أعواد الأراك لبيعها على المصلين يوم الجمعة: "في مثل هذا الأيام أخرج مع أسرتي وجميع أسر مزارعي الأراك في عزلة الجعدة بمديرية ميدي مع أطفالنا في المزارع، لاستخراج أكبر كمية من أعواد الأراك لتصديرها الى الأسواق الخارجية خاصة مع موسم الحج الذي يزداد فيه الطلب على الأراك في المملكة العربية السعودية".
يؤكد إبراهيم أن مبيعات الأراك ترتفع وتكون في ذروتها في شهر رمضان والحج، نتيجة الطلب الكبير الذي يعتبر موسما رائجا لبيع السواك، ويتم بيع الحزمة من النوع الجيد بمبلغ 250 ريال سعودي على تجار الجملة.
الأراك جودة يمنية
وفقا لمزارعين يعملون في هذه المهنة يتم تصدير أعواد الأراك للسعودية، ويستقبلها تجار متخصصين يتكفلون بتوزيعه في المملكة، وبقية مناطق الخليج، سواء بتغليفه أو بيعه على هيئته التي صُدر بها، وبالرغم أن شجرة الأراك منتشرة في معظم مناطق السعودية، إلا أنها ليست بنفس الجودة التي تجود بها شجرة الأراك في الأراضي اليمنية، كما يؤكد العديد من التجار العاملين في هذه التجارة.
والأراك شجرة موجودة في المناطق الحارة والرملية، وفي المناطق الأكثر جفافاً، وفي التربة الرملية، ويعتمد على مياه الجريان السطحي، وينمو طبيعياً، وتمتد شجرته على الأرض لمسافات كبيرة، لكن هذه النبتة لا تدخل في إطار عملية إنتاجية يستهدفها المزارع اليمني، ويمكن الاستفادة منها لمن يحترفون نزع عروقها.
لا تنتشر هذه النبتة في اليمن في اليمن فقط، بل في آسيا وأفريقيا، وفي المناطق القريبة من الأراضي اليمنية، لكن الشجرة الموجودة في التراب اليمني هي من أفضل الأنواع الموجود في العالم، ويعتبر الأراك من النباتات الهامة في حماية سطح التربة من التعرية المائية والهوائية، بالإضافة إلى ذلك فهو نبات رعوي هام ترعاه الجمال والماعز والأغنام، وتعتبر أشجار الأراك مصدر غذاء لكثير من الطيور والحيوانات البرية.
منافذ مغلقة وحصار مستمر
بالنسبة لـ عبده باري الجعيدي، البالغ من العمر 55 عاما، ويعول أسرة مكونة من 21 فردا فيتحدث بحرقة لـ " الموقع بوست إغلاق الأسواق والمنافذ في وجوه المزارعين، وكذلك الحصار الذي أدى لتلف المنتجات الزراعية، وتكدسها في منازلهم، مشيراً الى أن أكثر من عشرين عاملا أصبحوا عاطلين عن العمل، جراء توقف تصدير الأراك، وباقي المنتجات الزراعية الى الأسواق المحلية والخارجية.
ويرى الجعيدي أن الوضع بات صعبا للغاية، وكبد المزارعين خسائر كبيرة دون وجود جهة تعوضهم عن ذلك، متابع بالقول: "نحن نريد حل، يفتحوا لنا منفذ أو خطوط لكي نبيع ونصدر منتجاتنا الزراعية فقط".
يملك عبده باري الجعيدي، أكثر من 150 معاد، يزرع فيها مختلف أنواع المحاصيل الزراعية من السمسم والبطيخ والذرة والطماطم والأراك، وغيرها من المنتجات الزراعية.
ويتم استخراج السواك من جذور شجرة الأراك التي يبلغ عمرها عامين أو ثلاثة، وهي عبارة عن ألياف كثيفة وناعمة تشبه الفرشاة، ويتم استخدامها عن طريق قطع رأس المسواك، وإزالة القشرة الخارجية للجزء المراد استخدامه، وترطيبه قليلا لاستخدامه في السواك.
الألغام معاناة أخرى
ويقول شوعي محمد جربحي (44 عاما) لـ " الموقع بوست": مأساتنا ليست فقط في الحصار ومنع تصدير منتجاتنا الزراعية إلى الأسواق المحلية والخارجية، بل بمعاناة أخرى تسببت الحرب لها" ويتحدث هنا عن وفاة ثلاثة من أهالي عزلة بني فايد في ميدي بسبب انفجار لغم أرضي عندما كانوا عائدين إلى منزلهم على متن دراجة نهاية العام 2019م.
وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ على هذا الكوكب، بسبب الجوع وسوء التغذية الحاد والأوبئة والحصار الذي ضاعف معاناة الآلاف من المواطنين في اليمن، خاصة الأطفال.