[ الرئيس هادي مع السفير الروسي لدى اليمن - سبأ ]
يظهر الموقف الروسي في اليمن تذبذباً وضحاً بين الشرعية اليمنية والانقلابيين في صنعاء، وهو ما يلقي الضوء على تطور في الموقف الروسي تجاه الحوثيين بعد أن كان تأييده للشرعية اليمنية بشكل مطلق.
عندما انطلقت العمليات العسكرية للتحالف في اليمن (مارس/آذار 2015) لم يكن هناك موقف روسي من تلك العمليات، على العكس من ذلك ساهم امتناه مندوب روسيا في مجلس الأمن عن التصويت في تمرير القرار (2216) والذي يقضي بنزع أسلحة الحوثيين وإعادة حكومة اليمن الشرعية إلى السلطة، وحتى ديسمبر/كانون الأول 2015م، كانت المواقف الروسية مؤيدة بشكل كامل للتحالف العربي والحكومة الشرعية ففي تقرير لوزارة الخارجية الروسية نهاية العام (2015)[1] تحدث عن حصار الحوثيين لمدينة تعز وضرورة فكّه ولم يتحدث عن أياً مما كان يتم الحديث عنه في وقته بالضربات الخاطئة للتحالف.
اليوم لا ينفك مندوب روسيا في مجلس الأمن يتحدث عن عمليات التحالف العربي في اليمن، كلما تحدثت إحدى الدول الأعضاء عن المجازر المروعة التي يرتكبها الطيران الروسي في سوريا[2] من خلال مساندته نظام الدكتاتور بشار الأسد.
دعم الانقلابيين
الدب الروسي البارد زوده فراغ تركته «واشنطن أوباما» بالوقود الكافي ليشعر بالدفء حيال سياساته في منطقة الشرق الأوسط، في فرضية يكفي الاستدلال بسوريا لتأكيدها، وبات أقرب لأمر واقع يجدر بأجندة صانعي القرار في المنطقة أن تضعه في حسبانها على الدوام.[3]
وعلى الرغم من إعلان موسكو رفضها للخطوات أحادية الجانب التي اتخذها الانقلاب في صنعاء في نوفمبر/تشرين الثاني إلا أن أندريه تشر نوفل القائم بأعمال سفارتها في صنعاء التقى في يومين متتالين رئيس حكومة الانقلاب عبدالعزيز بن حبتور وفي اليوم التال التقى هشام شرف الذي عين بمنصب وزير خارجية بحكومة الانقلاب. بعد أيام قليلة من إعلان الخارجية الروسية في بيان على موقعها الرسمي أن المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي «استقبل يوم الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي وفد الحركة اليمنية الحوثية (أنصار الله) الزائر للعاصمة الروسية وعلى رأسه محمد عبد السلام رئيس وفد الحوثيين إلى مشاورات الكويت».
فهل تغير الموقف الروسي ولماذا؟
عند قراءة الموقف الروسي في اليمن فلابد من وضعه في السياق الأوسع لسياسة روسيا في الشرق الأوسط، فموسكو ترى المنطقة مسرحًا واسعًا لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة وإعادة التأكيد على مكانتها كقوة عالمية. وبهذا المنظور يسهل علينا اتباعاً قراءة نوعية التدخل والمدى الذي يمكن من خلاله فهم الموقف الروسي في البلاد.
تعقيدات التدخل الروسي في اليمن
أثناء تواجد وفد الحوثيين في موسكو كان يتواجد في المقابل (يحيى محمد عبدالله صالح) وهو نجل شقيق الرئيس اليمني المخلوع في زيارة ثانية لـ"موسكو"-الأولى في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي- وهي الزيارة الأولى بعد أن عرض علي عبدالله صالح إعطاء الروس قواعد البلاد العسكرية والجزر اليمنية لعمليات موسكو العسكرية في أغسطس/آب، وخلال فترات سابقة لعرض علي عبدالله صالح كان يترجى خلال لقاءاته القائمين بأعمال السفارة الروسية الضغط على بلادهم إعطاءه صواريخ حرارية مضادة للطائرات إضافة إلى صواريخ بالستية[4]، ولا يبدو أن روسيا كانت موافقة طوال عام 2015م لكن ربما يتغير الوضع الإقليمي ليصبح حالياً حليفاً جديداً لكن الحوثيين خلال الزيارة الأخيرة كانوا شديدي الوضوح بشأن تحذير موسكو من التحالف مع علي عبدالله صالح.
طلب يحيى صالح في الزيارتين تدخل روسي مماثل في اليمن على غرار التدخل في سوريا، رسالة علي عبدالله صالح مؤخراً إلى فلاديمير بوتين التي تهنأه بسحق المدنيين في حلب دعت ضمنياً للتدخل في اليمن بدعاوى مكافحة الإرهاب.
تعتقد روسيا أن أمام تدخلها العسكري في اليمن العديد من التعقيدات أبرزها:-
* تعي روسيا أن علي عبدالله صالح يريد العودة إلى السلطة وسيستخدم كل الوسائل من أجل ذلك ولن تكون ضلعاً في تأثير إقليمي يجلب لها سخط دولي في مجلس الأمن فيما تستمر الأزمة السورية.
*اعترافها بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وهي بذلك لا تعترف بشرعية صالح والحوثي.
* نقل الطائرات إلى اليمن أكثر صعوبة من قواعد عسكرية في البحر الأبيض المتوسط، كما أن الروس سيحتاجون إلى قوة عسكرية لحماية الجنود، ومن شأن قرار مثل هذا سيظهر الكرملين كمن يستفز عش الدبابير السياسية والعسكرية.
*خلال عام 2014م-2015م- كانت العلاقات السعودية الروسية على أشدها في توافق بشأن الأزمة اليمنية ومن شأن التدخل في اليمن سيقضي على أي ملامح لسياسة هادئة للروس في الشرق الأوسط وسيزيد العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
*تعي الأطراف الدولية في مجلس الأمن حقيقة واحدة وهي أن الملف اليمني يخص واشنطن والرياض ولا دخل لعاصمة أخرى في الملف ومن شأن التدخل خارج المتعارف عليه بما في ذلك روسيا يعتبر بمثابة إعلان حرب على السعودية.
*بعد التدخل الروسي الفجّ في سوريا والعراق وأوكرانيا وصفقات الأسلحة البالستية مع إيران التي تنتهك الاتفاق النووي يحاول الكرملين أن يظهر في اليمن بصفة كونه يدعو "للسلام في الشرق الأوسط" ومن شأن عكس ذلك أن يؤثر في منحى موسكو بإعادة صوتها قوة في العالم، وهو ما لا يحبذه الكرملين.
*مستشارو الكرملين يرون أيضاً أن تدخل في اليمن بشكل مفاجئ كما حدث في سوريا سيكون مكلف اقتصادياً للغاية وبشكل أكبر مما يتصور راسموا الخطط العسكرية المفاجئة.
دوافع التدخل الروسي في اليمن
وقد يكون التدخل في اليمن قد يكون أمراً واقعاً حتى -وإن كان سياسياً- فمن الصعب التدخل العسكري كما أسلفنا في عدة حالات:
* أن التدخل في اليمن هو ممارسة أصيلة لروسيا كدولة عظمى وعضو دائم بمجلس الأمن ما يفرض عليها موقفا من كل حدث.
حاجة روسيا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا لتقديم تنازلات في الملف السوري والأوكراني وبالتأكيد أن الأوروبيون يعتقدون أن موسكو تحاول الوصول إلى هذا المنحى.
*تطور الحلف الثلاثي روسيا وإيران والصين، جزئياً (بكين بعيدة عن سياسة التدخل الفج في الدول العربية)، إذا ما كانت السياسة الأمريكية الجديدة مخالفة لما هو متعارف عليه والتي ستبتعد عن إيجاد مشتركات مع الدول الثلاث.
*العلاقة الإيرانية الروسية وزيادة تجذرها سيشمل أيضاً اليمن مستدلين بتصريحات لمسؤولين إيرانيين[5]، بالإضافة إلى أن لقاء وفد الحوثيين بالمسؤول الروسي في موسكو جاء بعد زيارته لـ"طهران" ولقاءه مسؤولين إيرانيين روجوا لحكومة الحوثيين ومدى التزامها بالاستقرار في البلاد.[6]
وعطفاً على ذلك يظهر أن الروس يقدمون المساعدة السياسية اللازمة للحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني لإطالة أمد الحرب في البلاد، نشر تلفزيون بلقيس في ديسمبر الحالي مراسلات داخل جماعة الحوثي تشير بوضوح إلى اقتراحات روسية قدمها الدبلوماسيون الروس في صنعاء للحوثيين من ضمنها إعلان مبادرة تشترط وقف العمليات على الحدود السعودية بإيقاف الغارات الجوية.
ماتبقى أمام الخليجيين
ترتبط الإمارات العربية المتحدة بعلاقات وطيدة مع موسكو وتنسيق في عدة ملفات من ضمنها الملف الليبي الذي يدور حول دعم خليفة حفتر الجنرال الرافض لحكومة الوفاق التي شكلتها القوى الليبية في اتفاق الصخيرات برعاية أممية، ويمكن أن تستفيد أبوظبي من ذلك في الضغط على موسكو وقف دعم الحوثيين.
لكن يبدو أن الأمر متعلق بالمملكة العربية السعودية وتصدرها مواجهة خط المواجهة مع إيران الدولة التي تعتبر شبه الجزيرة العربية جزء من إمبراطوريتها المسلوبة.
ففي وقت جعلت روسيا معركة صنعاء مرتبطة بمعركة سوريا والموصل، فحسم معركة صنعاء سيفرغ الدوحة والرياض لخوض المعارك السياسية في سوريا والعراق.
هذا الربط لن يتفكك في حال حسمت معركتي حلب والموصل قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني القادم، على العكس من ذلك ستوجه إيران فائض القوة باتجاه اليمن، كما أن روسيا التي تعتقد أن عليها إبداء موقف من أي أحداث في العالم ستكون جزءً من ذلك الفائض.
حسم المعركة في صنعاء (سياسياً) كان أو عسكرياً يعني بأي شكل من الأشكال سحب الغطاء السياسي والعسكري لـ"طهران" و "موسكو" من التدخل في اليمن مستقبلاً، وتحييد الأطراف الدولية من المزيد من الانخراط في مستنقع التحالف مع إيران.
فإن لم تنتصر الرياض في اليمن فسينهزم الخليج كله.
___
الهوامش
[1] Comment by the Information and Press Department of the Russian Ministry of Foreign Affairs on developments in Yemen 31 December 2015 http://www.mid.ru/en/foreign_policy/news/-/asset_publisher/cKNonkJE02Bw/content/id/2004580/pop_up?_101_INSTANCE_cKNonkJE02Bw_viewMode=print&_101_INSTANCE_cKNonkJE02Bw_qrIndex=0
[2] ما وراء الطلب الروسي المفاجئ بفرض حظر جوي على صنعاء؟ (تقرير خاص)-الموقع بوست- 19 أكتوبر, 2016 http://almawqea.net/news/12838#.WFqzvfkrLIU
[3] ازدواجية روسية في التعاطي مع اليمن-صحيفة الشرق الأوسط- العدد [13904]
[4] Saleh begs Russians for missiles 2ديسمبر2015م https://www.alaraby.co.uk/english/News/2015/12/2/Saleh-begs-Russians-for-missiles
[5] تصريحات تلفزيونية في التلفزيون الإيرانية ل"علي ولايتي" في أغسطس/آب 2015م بأن التعاون مع روسيا سيشمل الملف اليمني إلى جانب سوريا والعراق.
[6] خلال لقائه جابري انصاري في طهران.. بوغدانوف يدعو لتعاون متعدد الاطراف لحل ازمات المنطقة.. وكالة فارس 6ديسمبر2016 http://ar.farsnews.com/iran/news/13950916000183