[ في اليمن: نساء خارج القسمة ]
أم محمد امرأة تسكن في العاصمة صنعاء مع زوجها، الذي يعمل في إحدى المؤسسات الخاصة منذ 15 عاما، حيث كان يعتمد على راتبه الشهري في تدبير شؤون حياته، وبعد وباء كورونا وانتشاره في العالم ووصوله إلى اليمن، توقفت تلك المؤسسة عن العمل وسرحت نصف عمالها، وكان محمد من ضمن الذين تم تسريحهم من العمل، حيث فقدت الأسرة مصدر دخلها الوحيد، وانسدت كل فرص العيش أمامها.
"حاول زوجي بعد تسريحه من عمله البحث عن عمل آخر، إلا أنه لم يجد عملا بسبب أزمة كورونا ووضع الحرب الدائرة في البلاد منذ 5 سنوات، فساء وضعنا المعيشي كثيرا، ووصلنا إلى مرحلة لم نعد نستطع فيها تسديد إيجار المنزل الذي كنا نسكن فيه، فاضطررنا إلى الانتقال لمنزل والد زوجي الضيق والصغير، وسكنا فيه مع أولادنا الخمسة في غرفة واحدة"، وفق أم محمد.
وتشير التقديرات إلى أن 80% من الأسر اليمنية اليوم في وضع اقتصادي أسوأ مما كانت عليه مقارنة بفترة ما قبل الأزمة (كورنا)، كما فقد 8,4 ملايين شخص سبل عيشهم ومصادر دخلهم، وتم الزج بحوالي 17,5 مليونا إلى 21,6 مليون نسمة من اليمنيين في فقر مدقع، وفق منظمة اليونيسف.
تقول أم محمد "وفي نفس الفترة قام والدي وهو تاجر ويمتلك عدة عقارات في صنعاء، بتقسيم تجارته وعقاراته بين أولاده الذكور فقط، بسبب تخوفه من الموت بكورونا، بعد أن مات أحد أبناء المنطقة بذات السبب، وحرمنا وبقية أخواتي من تلك التجارة والأموال".
وتنص أحكام قانون الأسرة المتعلقة بالميراث باليمن، على أن الابنة تحصل على نصف حصة الابن، وفي الممارسة العملية، يستحوذ الرجل على كامل الحصة المستحقة لقريبته المرأة من الميراث، ولاوسيما في المناطق الريفية، وتحرم بعض العائلات بناتها من الميراث إذا تزوجن برجال من خارج العائلة، أو تمنع بناتها من الزواج برجال من خارجها أصلا بهدف حماية الملكية، وفق منظمة العفو الدولية.
تتابع ام محمد حديثها "تقبلنا الأمر بشكل طبيعي أنا وأخواتي، ولم أعد أفكر بتلك التجارة والعقارات التي يمتلكها والدي، كنت أتمنى في نفسي فقط لو يعطيني أبي شقة واحدة، أسكن فيها أنا وزوجي حتى تتحسن أحوالنا فقط، إلا أنى لم أتجرأ على قول ذلك لوالدي أو لإخوتي، ولن أطالبهم بشيء من ذلك أبدا، احتراما لوالدي وتقديرا لإخوتي وحياء من الناس ولوم المجتمع لي".
حيل قديمة أسست لظلم جديد
وتختتم ام محمد حديثها "أصبحنا نتقبل امر الحرمان من الإرث بشكل طبيعي، لان ذلك يحدث لعديد من النساء منذ قرون في البلاد، فقد حُرمت والدتي "رحمها الله" من الإرث من اغلب التركة الكبيرة التي خلفها والدها، وذلك بعد ان قام والدها قبل ان يموت، بوقف وهبة وبيع جزء كبير من تركته، لأولاده الذكور، من اجل حرمان البنات منه".
وبفيد الناشط الحقوقي والمحامي نجيب الوحيشي " بأنه لايزال الكثير من اليمنيين في عدد من المناطق، متمسكون بعادات متوارثة في حرمان المرأة من حقها في الميراث، وهذا الحرمان يأتي بدوافع عديدة وبصور شتى، وفي كثير من الأحيان يتم التحايل لحرمان المرأة من الإرث بصور تأخذ شكل قانوني "غير حقيقي" مثل التنازلات او الهبة او البيع الصوري بثمن غير مجزي وزهيد جدا، وأخطر تلك الطرق هو تغييب النساء عند حصر التركة وتقسيم الإرث، وخاصة في الأرياف والقرى لاسيما عند التقسيم خارج المحكمة".
كورونا والتجار
يقول على محمود "تفاجأنا مؤخرا وخاصة بعد انتشار كوفيد19 في المنطقة، وتخوف الناس من مباغتة الموت لهم، قيام بعض التجار وأصحاب رؤوس الاموال، بتقسيم تجارتهم وممتلكاتهم بين أولادهم الذكور فقط، وحرموا بناتهم وزوجاتهم منها، بحجة ان تلك التجارة والممتلكات حق الأولاد وهم من اشتغلوا وبنوا تلك التجارة وكسبوا تلك العقارات".
ويضيف علي محمود وهو أمين شرعي في صنعاء "رغم اننا نعلم ان اولئك الاباء هم من بنوا تلك التجارة وكسبوا العقارات منها، وان كان لأولاد البعض منهم دور في توسيع تلك التجارة، الا أنهم حرموا بناتهم ونسائهم من كل ما يملكون".
ويفيد المحامي عبدالباسط غازي "بأن حرمان النساء من الإرث التجاري يعد انتهاكا صارخا لحقوقها، فيما اذا كان المورث هو المالك الوحيد ولا شراكة بينه وبين أولاده الذكور في تنمية راس المال والارباح والتأسيس، ومن حقهن اللجوء الى القضاء للمطالبة بحقهن في الإرث".
وحسب القاضي صادق السلطان رئيس المحكمة الابتدائية بالجبين في ريمة "فأن نسبة قضايا النزاع على الإرث بين الرجل والمرأة، لا تكاد تشكل واحد في المئة من نسبة قضايا التركات التي تصلهم الى المحاكم، سواء قبل كوفيد19 او بعد انتشاره"، ويعتقد القاضي السلطان ان ذلك يعود "الى وعي المجتمع والوازع الديني للناس".
فيما يعزوا القاضي مهدي حيدر الى ان ذلك يأتي بسبب " انه أصبح من الصعب جدا ان ترفع المرأة اليمنية قضية من هذا النوع امام القضاء، لأنها ستخذل من جميع الجوانب حتى من القضاء نفسه، وستواجه ضغط من قبل اسرتها والمجتمع للتنازل تحت مبرر العيب والعار والجرأة، لذا فنادرا ما تجد امرأة تناظر اخوها او ابوها في المحاكم للمطالبة بإرثها".
طغيان المجتمع وخذلان القضاء
ويشير حيدر وهو قاضا يعمل في المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء "ان القضاء اليمني وقف خاذلا للمرأة اليمنية وخاصة في حماية حقها في الإرث، وذلك بسبب سيادة الاعراف والتقاليد المجتمعية على القضاء والقانون، والتي تعطي للرجل حق التسلط على المرأة، وتعتبر خروج المرأة للمطالبة بإرثها من ابوها او اخوها، بانه تمرد على المجتمع وخروج عن الحياء والأخلاق العامة".
من جهته يري الباحث في علم الاجتماع وعضو المنظمة اليمنية للتنشئة الحقوقية خالد قاسم" ان المجتمع العربي بشكل عام واليمني خصوصا مجتمع ذكوري، حتى في التشريعات وأحكام الفقه، فالرجل يرى ان المرأة تابعة له وغير مؤهلة لامتلاك شيء، وبنظرته الذكورية يتوهم انه قادر على كفالتها سواء كزوجة او اخت او حتى أم، الى جانب ان الاب يرى ان أولاده الذكور هم حق بامواله، ويتخوف من ان تذهب أمواله للغريب عبر بناته".
وفي السياق ذاته ذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية "أن اليمن يحتل المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـــ 13 على التوالي، حيث ظلت النساء يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي المترسخ بشدة، في مجتمع موغل في النزعة الذكورية وذي أدوار صارمة بين الجنسين".
كورونا يضاعف العنف ضد المرأة
ويوضح قاسم "إذا كانت جائحة كوفيد 19 قد أدت إلى تفاقم العنف الذي يمارس ضد المرأة في أنحاء العالم (حسب التقارير الدولية)، فإنها بالطبع أيضا قد زادت من العنف الممارس ضد المرأة في المنطقة العربية واليمن خصوصا، وربما أدى الجهل والفقر وتدهور الوضع المعيشي لليمنيين واستمرار الحرب في البلاد منذ 5سنوات، الى زيادة مستوياته بفعل ازمة كورونا"
وقالت غادة والى مديرة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، في ذكرى اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر الماضي "على انه ومنذ تفجر فيروس كوفيد-19، فإن المعلومات والتقارير، المتوافرة من العاملين في الخطوط الأمامية، تظهر زيادة كبيرة في كل أنواع العنف الذي يمارس ضد النساء والفتيات، خاصة العنف المنزلي".
وتصف الأمم المتحدة العنف المتنامي ضد المرأة، بأنه جائحة الظل الموازية لجائحة كورونا، وتدعو العالم للعمل جميعا على وقفه.
وكان استبيان حديث حول العنف ضد المرأة في اليمن أثناء جائحة كوفيد19أوضح "تعرض 60% من النساء للعنف أثناء فتره الحجر الصحي، وكانت الأسرة هي مصدر العنف بنسبة 86% ، فيما كان العنف الجسدي هو الأكثر ما تتعرض له النساء بنسبة 66%.
وتضيف نتائج الاستبيان التي نفذته شبكة إعلام للسلام والأمن، بالشراكة مع المنظمة الالكترونية للإعلام الإنساني مع 241 امرأة يمنية، بانه " لم تقم سوى 16.8٪ منهن بالإبلاغ عن العنف الذي تعرضت له، فيما البقية لم يقمن بالإبلاغ لعدة اسباب في مقدمتها ضعف الأنظمة والقوانين في حماية النساء من العنف55.2%، ثم يأتي الحرج الاجتماعي والخوف من الأسرة بنسبة %30.2".
امر الله بالعدل
"يجب على الاباء والابناء الذكور أن يعلموا أن الله أمر بالعدل بين الابناء وعدم الظلم والمحاباة لبعضهم البعض، وحرم عليهم اتخاذ الحيل لحرمان الاناث من الميراث، قال تعالى يوصيكم الله في اولادكم..."حسب فتوى الشيخ الرازحي
ويضيف الشيخ علي بن أحمد الرازحي في فتوى شرعية راجعها الشيخ محمد ابن عبدالله الامام، في رده على هذه الانتهاكات " بأنه لا يجوز للاباء ان يخصوا بأموالهم الذكور دون الاناث، وإذا كان للذكور أثر في التجارة ومكاسبها فللولد التقدم بسؤال لأهل العلم فيما يريد ان يقوم به، وما صدرت به الفتوى المعتبرة صار عليها، كما لا يجوز للورثة التأخير او المماطلة في حقوق الورثة لاسيما النساء، لقول النبي "اللهم أنى أحرج حق الضعفين اليتيم والمرأة".
ويتابع في الفتوى الخاصة "ننصح المسلمين بالحذر من ظلم النساء في مواريثهن، وننصح الورثة بأنه إذا وجد في الأوقاف او الوصايا ما فيه ظلم مخالف للشرع، ان يرجعوا الى اهل العلم في تصحيح ذلك وتقويمه على ادلة الشرع، بما لا يكون فيه ظلم للورثة".
ويدعوا الباحث خالد قاسم "المنظمات الإنسانية والحقوقية والمختصة بالمرأة في اليمن، الى تركيز جهودها على دعم ومناصرة قضايا المرأة للحد من العنف التي تواجه المرأة في اليمن بشكل دائم وزادت حدته مؤخرا بسبب جائحة كوفيد19 التي اقلقت واشغلت العالم كله".
ويوصي الحقوقي نجيب الوحيشي" بأنه يجب ان يكون نص قانوني يعاقب جريمة حرمان المرأة من حقها في الإرث في التشريعات اليمنية، الى جانب اصلاح كامل المنظومة التشريعية والقانونية في البلاد، إضافة الى تفعيل دور التنشئة الاجتماعية والثقافية السليمة في المدارس والجامعات والمنابر والاعلام، ونشرالتوعية الدينية والقانونية المتعلقة بحقوق المرأة في الاسرة والمجتمع".
* تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19" الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA.