[ غارات كثيرة خاطئة أصابت المدنيين ]
حذر أحد مسؤولي الأمم المتحدة منذ أيام من أن "اليمن يمكن أن يكون أسوأ أزمة إنسانية منذ 50 عاماً. ومع بداية عام 2018، تعكس هذه الكلمات تفاقم المعاناة الإنسانية التي لا توصف في اليمن، بعد أن كانت الأمم المتحدة تسمي اليمن طوال العام الماضي كأكبر أزمة إنسانية في العالم.
وقد تم إرسال أفقر دولة عربية التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة إلى حالة عوز بعد ما يقرب الأربع سنوات من الحرب، وكان عام 2017 عاماً مليئا باليأس التام في ضوء عدد لا يحصى من الجرائم التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان على عدة جبهات؛ من التحالف الذي تقوده السعودية إلى قوات صالح والحوثيين والعملية العسكرية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، وكلها تتقاسم المسؤولية في خلق معاناة إنسانية لا توصف في اليمن. ومع ذلك، فإن مقتل صالح في نهاية عام 2017 يمثل انتقالاً تاريخياً من شأنه أن يغير بشكل جذري خريطة اليمن السياسية لسنوات قادمة.
معاناة إنسانية
يتعرض كل من المقاتلين والمدنيين الأبرياء لأعمال العنف، في حين واصل الحوثيون وصالح لفترة زمنية معينة، قبل وفاته قصفهم العشوائي على تعز أو، كما يصفه مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، "القصف المتواصل" ضد المناطق المدنية المأهولة بالسكان وذلك منذ نحو ثلاث سنوات، مما أدى إلى عدد كبير من الضحايا، وأما عن الغارات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية منذ عام 2015 فلم تتوقف عن ضرب مناطق مأهولة بالسكان في أنحاء كثيرة من اليمن.
وفي عام 2017، أصيبت الأسواق، وزورق المهاجرين، وفندق محلي مأهول، من بين العديد من الأهداف غير العسكرية الأخرى. غير أن المثال الصارخ في العام الماضي كان قصة بثينة البالغة من العمر خمس سنوات والتي نجت من هجوم شنته قوات التحالف بقيادة السعودية في أغسطس / آب على مبنى سكني في صنعاء، مما أسفر عن مقتل جميع أفراد أسرتها.
ويكشف مشروع بيانات اليمن أنه منذ عام 2015 تقريباً ثلث الغارات الجوية السعودية أصابت مواقع غير عسكرية في اليمن، في 2017، على وجه الخصوص، عندما ضُربت المزيد من الغارات الأمريكية في اليمن أكثر من السنوات الأربع الماضية مجتمعة، بحوالي 125 ضربة جوية، في إطار العمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة.
ومثال آخر على ذلك هو الغارة الأولى للقوات الخاصة الأمريكية في محافظة البيضاء اليمنية، نهاية يناير 2017، مما أسفر عن مقتل العشرات من النساء والأطفال.
في موازاة ذلك، يواجه اليمنيون كارثة إنسانية حيث إن البنية التحتية للبلاد تدمرت تقريبا، والمساعدات الإنسانية لم تتمكن من الوصول إلى بعض المجتمعات الأكثر تضررا في اليمن، في أعقاب قيام التحالف بقيادة السعودية بفرض الحصار، ردا على الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون بالقرب من مطار الرياض في تشرين الثاني / نوفمبر.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه السعوديون في فتح ميناء الحديدة والسماح بفتح ميناء عدن، يبدو أن الوضع الإنساني يزداد سوءاً فقط، وهو ما أثبته إعلان الأمم المتحدة الأخير عن تخصيص أكبر مبلغ للإغاثة في حالات الطوارئ والمقدر 50 مليون دولار لعمليات الإغاثة التي ستقدمها الأمم المتحدة في 2018. وهذا لا يعبر عن نجاح بل إنه يدل على مدى يأس الحالة الإنسانية.
فشلت التقارير في مواكبة عدد الوفيات الحقيقية خلال عام 2017 ويبدو أن العدد الحالي من الضحايا المدنيين غير منطقي نظراً لتقارير متضاربة من الأمم المتحدة لا تتطابق مع حجم المعاناة الإنسانية على الأرض.
منذ أكثر من عام، كشف مسؤول في الأمم المتحدة أن 10 آلاف مدني قتلوا في اليمن، لكن تقريرا آخر صدر عن الأمم المتحدة أعلن أن خمسة آلاف مدني قتلوا منذ مارس / آذار 2015. كما تهدد المجاعة على نطاق واسع الملايين من الأرواح، الدفتيريا، بالإضافة إلى الكوليرا؛ وربما كان هذا هو أسوأ تفشٍّ شهده العالم على الإطلاق، مما أدى إلى تمزيق أكثر من ألفي شخص وإيصال مليون حالة مشتبه فيها. كما أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أنه منذ بداية عام 2017 كل 10 دقائق يموت طفل في اليمن.
في مثل هذه الحالة تبدو وكأنها نهاية العالم، فشلت التقارير لمطابقة عدد القتلى الحقيقي في عام 2017 ، وفي حين أن اليمنيين ما زالوا يحسبون القتلى، كان التقدم الطفيف الوحيد الذي أحرز في سبتمبر 2017 هو إنشاء لجنة تحقيق مستقلة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جرائم الحرب، وذلك بفضل ضغوط كبيرة وأعمال الدعوة التي قامت بها منظمات حقوق الإنسان اليمني الدولية والمحلية منذ 2015. وهذا أمر مهم فجهود المجتمع المدني المحلية والدولية في اليمن مهمة. ومع ذلك، من المقرر أن تبدأ اللجنة عملها في وقت لاحق من هذا العام.
اليمن بدون صالح
وبحلول كانون الأول / ديسمبر 2017، ضرب زلزال سياسي اليمن. إن وفاة صالح على أيدي الحوثيين كانت نهاية عنيفة لعصر ونقطة تحول في الخريطة السياسية لليمن، كما تكثفت العمليات العسكرية للأطراف المتحاربة في الأيام التالية،وأكد وفاة صالح أنه سواء أراد صالح رغبة حقيقية في الشروع في مفاوضات بعيدا عن الحوثيين أو أن يتنبأ بالمسار المميت لتحالفه مع الحوثيين، أكد اليوم أن سياسة الحوثيين مدفوعة بالعنف.
الجانب الآخر هو، على الرغم من السياسة الحوثية العنيفة، خلق غياب صالح لأول مرة في سياق ما يقرب من أربع سنوات من الحرب في اليمن، سلطة مركزية واحدة في الجزء الشمالي من اليمن، وهذه في أيدي الحوثيين. والآن، أقوى أكثر من أي وقت مضى، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية إقليمية ودولية لمواجهة هذه السلطة المركزية، وإعادة اختراع حل سياسي، وحل للصراع.
ولسوء الحظ، أن ما حدث في عام 2017 وحده، وجدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فيه أن الحرب في اليمن هي تجارة مربحة بشكل كبير حيث استفادت هذه الدول من المكافآت المالية الناتجة عن مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية. ولكن بتفاؤل مأساوي، دعونا نأمل أن يمكن 2018 الإرادة السياسية من إنهاء حرب اليمن.
*نشرت المادة في موقع (opendemocracy) ويمكن العودة إليها على الرابط هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست.